إن نعم الله جل جلاله على عباده كثيرة جداً
وأجلّ هذه النعم نعمة الهداية إلى الأسلام ، وأعظم بها من نعمة
ودونها نعم جمّة ، يقف العبد الضعيف بعقله المحدود
مشدوهاً أمامها ، فارغاً فاهُ ، ولا يحصيها إلا الله جل جلاله الذي أسبغها
ومعلوم أن النعم من الله
فإذا كان الأمر كذلك ، فإن على العبد أن يحرص على دوام هذه النعمة
ودوام النعم لا يكون إلا بنعمة أخرى ، وهي نعمة الشكر
وقد جاء بيانها صريحاً في قوله تعالى : لئن شكرتم لازيدنكم
فالشكر سر دوام النعم وبقائها ، ومن ألهِم الشكر لم يحرم الزيادة
ومنزلة الشكر من أعلى المنازل ، أمر الله به ، ونهى عن ضده
وأثنى على أهله ، ووصف به خواص خلقه
وجعله غاية خلقه وأمره ، ووعد أهله بأحسن جزائه
وجعله سبباً للمزيد من فضله
وإن شكر النّعمة دليل على إستقامة المقاييس في النفس البشرية
والشكر نصف الإيمان
والإيمان نصفان :
- نصف شكر
- ونصف صبر
وكان سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم
يقوم من الليل حتى تتفطّر قدماه
فقيل له : تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر
فقال : أفلا أكون عبداً شكورا
ولهذا خصّ النبي صلى الله عليه وسلم
محبّيه بوصية حقّها أن تسطّر بماء الذهب
كما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاه بقوله :
والله يا معاذ إني لأحبّك ، فلا تدعنّ دبر كل صلاة أن تقول:
اللهم أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم اجعلني شاكراً ذاكراً لك
ولهذا قال بعض أهل العلم : الشاكرون على نوعين :
1 ـ شكر العامّة : ويكون على المطعم والملبس والمشرب وقوة البدن
2 ـ شكر الخاصّة : ويكون على التوحيد والإيمان وقوة القلوب
ولا ننسى أن الشكر من دوام النعم وزيادتها
لأن النعم من الله تعالى ، وهبها لخلقه إختباراً وإمتحاناً لهم
فمن جحدها سلبت منه
وربما بقيت معه استدراجاً له
ثم تذهب كأن لم تكن بغمسة واحدة في النار ، أجارنا الله منها
قال جعفر بن محمد علي بن الحسين لسفيان الثوري رحمه الله:
إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها
فأكثر من الحمد والشكر عليها
وأخيراً
شكر الله تعالى على نعمة يكون من ثلاثة أوجه :
1 ــ الشكر بالقلب : ويكون بالمحبة والأنقياد له بالطاعة
2 ــ الشكر باللسان : ويكون بالأعتراف بنعمة الله
3 ــ الشكر بالجوارح : كعمل اليدين والرجلين والسمع والبصر
وأسأل الله أخيراً أن يمن علينا اجمعين:
- بشكر نعمته
- وحسن عبادته
- ودوام ذكره
- وأن يثبّتنا على القول الثابت
في الحياة الدنيا وفي الأخرة
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
**********
أحد السلف كان : أقرع الرأس ، أبرص البدن ، أعمى العينين ، مشلول القدمين واليدين
وكان يقول : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً ممن خلق ، وفضّلني تفضيلاً
فمر به رجل فقال له : مما عافاك ؟ أعمى وأبرص وأقرع ومشلول فمما عافاك؟
فقال : ويحك يا رجل ، جعل لي :
- لساناً ذاكراً
- وقلباً شاكراً
- وبدناً على البلاء صابراً
اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك
فلك الحمد ولك الشكـر.
قال تعالى : وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ اْلرَّحْمَنِ
نُقَيِّض لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لًهُ قَرِينٌ
الزخرف 36.
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
لم يدعُ بها مسلم في شيء إلا قد استجاب الله له
فالحمد لله على نعمه التي لا تحصى